Admin   ;


الدولة :  عدد المساهمات : 642 نقاط : 151426 تاريخ التسجيل : 10/01/2010 العمر : 34 الموقع : http://abdo4esl.weebly.com/ العمل/الترفيه : معلم لغة إنجليزية
 | موضوع: الفتاوى الكبرى الفقهية على مذهب الإمام الشافعي الأربعاء 18 يوليو 2012, 5:54 pm | |
|
ج / 2 ص -3- بسم الله الرحمن الرحيمكِتَابُ الصَّوْمِ سئل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي طَهَارَةِ الْقُلُوبِ لِعَلَّامِ الْغُيُوبِ: شَهْرُ رَجَبٍ شَهْرُ الْحَرْثِ فَاتَّجِرُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ فِي رَجَب فَإِنَّهُ مَوْسِمُ التِّجَارَةِ وَاعْمُرُوا أَوْقَاتَكُمْ فِيهِ فَهُوَ أَوَانُ الْعِمَارَةِ.رُوِيَ أَنَّهُ مَنْ صَامَ مِنْ رَجَب سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُغْلِقَتْ عَنْهُ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ, وَمَنْ صَامَ مِنْهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ, وَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ قَصْرًا الدُّنْيَا فِيهِ كَمَفْحَصِ الْقَطَاةِ لَا يَدْخُلُهُ إلَّا صَوَّامُ رَجَب وَقَالَ وَهَبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: جَمِيعُ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ تَزُورُ زَمْزَمَ فِي رَجَب تَعْظِيمًا لِهَذَا الشَّهْرِ قَالَ وَقَرَأْت فِي بَعْضِ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى فِي رَجَبٍ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَتُبْ عَلَيَّ سَبْعِينَ مَرَّةٍ لَمْ تَمَسَّ النَّارُ جِلْدَهُ أَبَدًا ثُمَّ قَالَ بَعْد ذَلِكَ بِأَوْرَاقٍ كَثِيرَةٍ وَفِي الْحَدِيثِ: "مَنْ فَاتَهُ وِرْدُهُ فَصَلَّاهُ قَبْلَ الظُّهْرِ فَكَأَنَّمَا صَلَّاهُ فِي وَقْتِهِ".ا هـ، وَقَدْ وَرَدَ عَلَيْنَا جَوَابُكُمْ الشَّرِيفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ, وَهُوَ جَوَابٌ شَافٍ وَقَدْ حَصَلَ بِهِ النَّفْعُ لِي وَلِمَنْ سَمِعَهُ لَكِنَّ الْفَقِيهَ الَّذِي ذَكَرْتُ لَكُمْ فِي السُّؤَالِ يَنْهَى النَّاسَ عَنْ صَوْمِهِ وَيَقُولُ: أَحَادِيثُ صَوْمِ رَجَب مَوْضُوعَةٌ وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ الْحَدِيثُ الْمَوْضُوعُ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ.ا هـ. فَالْمَسْئُولُ مِنْكُمْ زَجْرُ هَذَا النَّاهِي حَتَّى يَتْرُكَ النَّهْيَ وَيُفْتِيَ بِالْحَقِّ, وَاذْكُرُوا لَنَا مَا يَحْضُركُمْ مِنْ كَلَام الْأَئِمَّةِ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ؟ فَأَجَابَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنِّي قَدَّمْت لَكُمْ فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ كِفَايَة, وَأَمَّا اسْتِمْرَارُ هَذَا الْفَقِيهِ عَلَى نَهْيِ النَّاسِ عَنْ صَوْمِ رَجَب فَهُوَ جَهْلٌ مِنْهُ وَجُزَافٌ عَلَى هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ فَإِنْ لَمْ يَرْجِع عَنْ ذَلِكَ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَى حُكَّامِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ زَجْرُهُ وَتَعْزِيرُهُ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ الْمَانِعَ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ مِنْ الْمُجَازَفَةِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَأَنَّ هَذَا الْجَاهِلَ يَغْتَرُّ بِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ جَهَنَّمَ تُسَعَّرُ مِنْ الْحَوْلِ إلَى الْحَوْلِ لِصَوَّامِ رَجَب وَمَا دَرَى هَذَا الْجَاهِلُ الْمَغْرُورُ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ كَذِبٌ لَا تَحِلُّ رِوَايَتُهُ كَمَا ذَكَرُهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ وَنَاهِيكَ بِهِ حِفْظًا لِلسُّنَّةِ وَجَلَالَةً فِي الْعُلُومِ وَيُوَافِقهُ إفْتَاءُ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ سئل: عَمَّا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ مِنْ مَنْعِ صَوْمِ رَجَب وَتَعْظِيمِ حُرْمَتِهِ وَهَلْ يَصِحُّ نَذْرُ صَوْمِ جَمِيعِهِ فَقَالَ فِي جَوَابِهِ نَذْرُ صَوْمِهِ صَحِيحٌ لَازِمٌ يَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِهِ وَاَلَّذِي نَهَى عَنْ صَوْمِهِ جَاهِلٌ بِمَأْخَذِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَكَيْف ج / 2 ص -4- يَكُونُ مُنْهَيَا عَنْهُ مَعَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ الَّذِينَ دَوَّنُوا الشَّرِيعَةَ لَمْ يَذْكُر أَحَدٌ مِنْهُمْ انْدِرَاجَهُ فِيمَا يُكْرَه صَوْمُهُ بَلْ يَكُونُ صَوْمُهُ قُرْبَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ التَّرْغِيبِ فِي الصَّوْمِ مِثْلُ قوله صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ"، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ"، وَقَوْلُهُ "إنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ صِيَامُ أَخِي دَاوُد كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا" وَكَانَ دَاوُد يَصُومُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَا عَدَا رَجَبًا مِنْ الشُّهُورِ وَمَنْ عَظَّمَ رَجَبًا بِجِهَةٍ غَيْرِ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ يُعَظِّمُونَهُ بِهِ فَلَيْسَ مُقْتَدِيًا بِهِمْ وَلَيْسَ كُلُّ مَا فَعَلُوهُ مَنْهِيًّا عَنْ فِعْلِهِ إلَّا إذَا نَهَتْ الشَّرِيعَةُ عَنْهُ أَوْ دَلَّتْ الْقَوَاعِدُ عَلَى تَرْكِهِ وَلَا يُتْرَكُ الْحَقُّ لِكَوْنِ أَهْلِ الْبَاطِلِ فَعَلُوهُ وَاَلَّذِي يَنْهَى عَنْ صَوْمِهِ جَاهِلٌ مَعْرُوفٌ بِالْجَهْلِ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُقَلِّدَهُ فِي دِينِهِ إذْ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ إلَّا لِمَنْ اُشْتُهِرَ بِالْمَعْرِفَةِ بِأَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِمَآخِذِهَا وَاَلَّذِي يُضَاف إلَيْهِ ذَلِكَ بَعِيدٌ عَنْ مَعْرِفَةِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُقَلِّد فِيهِ وَمَنْ قَلَّدَهُ غُرَّ بِدِينِهِ ا هـ. جَوَابُهُ فَتَأَمَّلْ كَلَامَ هَذَا الْإِمَامِ تَجِدهُ مُطَابِقًا لِهَذَا الْجَاهِل الَّذِي يَنْهَى أَهْلَ نَاحِيَتِكُمْ عَنْ صَوْمِ رَجَب وَمُنْطَبِقًا عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ هَذَا أَحْقَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُقْصَدُ بِمِثْلِ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ بَعْضَ الْمَنْسُوبِينَ إلَى الْعِلْمِ مِمَّنْ زَلَّ قَلَمُهُ وَطَغَى فَهْمُهُ فَقَصْد هُوَ وَابْنُ الصَّلَاحِ الرَّدَّ عَلَيْهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَكْفِي فِي فَضْلِ صَوْمِ رَجَب مَا وَرَدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضْلِ مُطْلَقِ الصَّوْمِ وَخُصُوصِهِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَيْ كَحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِمَا عَنْ الْبَاهِلِيِّ أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتُك عَامَ الْأَوَّلِ قَالَ: "فَمَا لِي أَرَى جِسْمَك نَاحِلًا" قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكَلْت طَعَامًا بِالنَّهَارِ مَا أَكَلْته إلَّا بِاللَّيْلِ قَالَ: "مَنْ أَمَرَك أَنْ تُعَذِّبَ نَفْسَك" قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَقْوَى قَالَ: "صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَهُ وَصُمْ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ" وَفِي رِوَايَةٍ "صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَيَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ قَالَ زِدْنِي فَإِنَّ لِي قُوَّةً قَالَ صُمْ يَوْمَيْنِ قَالَ زِدْنِي فَإِنَّ لِي قُوَّةً قَالَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَهُ وَصُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ, صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ وَقَالَ بِأُصْبُعِهِ الثَّلَاثِ يَضُمُّهَا ثُمَّ يُرْسِلُهَا" قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِالتَّرْكِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ إكْثَارُ الصَّوْمِ كَمَا ذَكَره فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ فَأَمَّا مَنْ لَا يَشُقّ عَلَيْهِ فَصَوْمُ جَمِيعِهَا فَضِيلَةٌ. فَتَأَمَّلْ أَمْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَوْمِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَبِالصَّوْمِ مِنْهَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ تَجِدهُ نَصًّا فِي الْأَمْرِ بِصَوْمِ رَجَب أَوْ بِالصَّوْمِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ بَلْ هُوَ مِنْ أَفْضَلِهَا فَقَوْلُ هَذَا الْجَاهِلِ إنَّ أَحَادِيثَ صَوْمِ رَجَب مَوْضُوعَةٌ إنْ أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى صَوْمِهِ عُمُومًا وَخُصُوصًا فَكِذْبٌ مِنْهُ وَبُهْتَان فَلْيَتُبْ عَنْ ذَلِكَ, وَإِلَّا عُزِّرَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ نَعَمْ. رُوِيَ فِي فَضْلِ صَوْمِهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَوْضُوعَةٌ, وَأَئِمَّتُنَا وَغَيْرُهُمْ لَمْ يُعَوِّلُوا فِي نَدْبِ صَوْمِهِ عَلَيْهَا حَاشَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا عَوَّلُوا عَلَى مَا قَدَّمْته وَغَيْره وَمِنْهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَنَسٍ يَرْفَعهُ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا يُقَالُ لَهُ رَجَبٌ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ, مَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ يَوْمًا سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ يَرْفَعهُ مَنْ صَامَ يَوْمًا مِنْ رَجَبٍ كَانَ ج / 2 ص -5- كَصِيَامِ سَنَةٍ وَمَنْ صَامَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ غُلِّقَتْ عَنْهُ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ, وَمَنْ صَامَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ, وَمَنْ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ, وَمَنْ صَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا نَادَى مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ قَدْ غُفِرَ لَك مَا سَلَفَ فَاسْتَأْنِفْ الْعَمَلَ وَقَدْ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُك حَسَنَاتٍ, وَمَنْ زَادَ زَادَهُ اللَّهُ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ شَيْخِهِ الْحَاكِمِ أَنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي قِلَابَةَ وَهُوَ مِنْ التَّابِعِينَ فَمِثْلُهُ لَا يَقُولُهُ إلَّا عَنْ بَلَاغٍ عَمَّنْ قَوْلُهُ مِمَّا يَأْتِيه الْوَحْيُ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَصُمْ بَعْدَ رَمَضَانَ إلَّا رَجَبَ وَشَعْبَانَ ثُمَّ قَالَ إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ ا هـ. وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ وَالْمُرْسَلَ وَالْمُنْقَطِعَ وَالْمُعْضِلَ, وَالْمَوْقُوفَ يُعْمَلُ بِهَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ إجْمَاعًا وَلَا شَكَّ أَنَّ صَوْمَ رَجَبٍ مِنْ فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِالْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَنَحْوِهَا وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ إلَّا جَاهِلٌ مَغْرُورٌ وَرَوَى الْأَزْدِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ السُّنَنِ "مَنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ شَهْرٍ حَرَامٍ الْخَمِيسَ وَالْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عِبَادَةَ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ" وَلِلْحَلِيمِيِّ فِي صَوْمِ رَجَب كَلَامٌ مُحْتَمَلٌ فَلَا تَغْتَرُّ بِهِ فَإِنَّ الْأَصْحَابَ عَلَى خِلَافِ مَا قَدْ يُوهِمهُ كَلَامُهُ. وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. سئل: نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ مَسْأَلَةٍ سئل: عَنْهَا بَعْضُ الْمُفْتِينَ مِنْ أَكَابِرِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ أَهْلِ بَجِيلَةَ يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَصُومُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَصُومُ بِالِاسْتِفَاضَةِ فَقَطْ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَصُومُ حَتَّى يَرَى الْهِلَالَ بِنَفْسِهِ أَوْ يَسْتَكْمِلَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. فَمَا يَكُون الْحُكْمُ فِيهِمْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ؟ نَعَمْ إذَا رُئِيَ الْهِلَالُ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَلَمْ يُرَ بِأَرْضِ بَجِيلَةَ فَمَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ ذَلِكَ الْمُفْتِي بِأَنَّ الَّذِينَ يَصُومُونَ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُمْ لِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ أَنْ تَكُونَ عِنْد الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ شَهَادَةٌ فَلَا تَثْبُت فِي حَقِّ عُمُومِ النَّاسِ مَا لَمْ تَتَّصِل بِالْحَاكِمِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ جَلَالُ الدِّينِ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَلَا بُدّ مِنْ الْوُجُوبِ عَلَى مَنْ لَمْ يَرَهُ مِنْ ثُبُوتِ رُؤْيَتِهِ عِنْد الْقَاضِي ا هـ قَالَ الْإِمَامُ شِهَابُ الدِّينِ الْأَذْرَعِيُّ: وَتُعْتَبَرُ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ بِالِاسْتِزْكَاءِ ا هـ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَلَا يَكْتَفِي الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ حَتَّى يَعْرِفَ الْعَدَالَةَ الْبَاطِنَةَ وَفِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرهَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَعْسُر عَلَيْهِ مَعْرِفَتُهَا قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ: وَالْقَاضِي لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْهَا. قَالَ الْإِمَامُ زَيْنُ الدِّينِ أَبُو الْحُسَيْنِ الْمَدَنِيِّ: وَالْبَحْثُ عَنْ حَالَ الشُّهُودِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ الشَّيْخَانِ, وَإِذَا لَمْ يَعْرِف الْقَاضِي مِنْ الشُّهُودِ عَدَالَةً وَلَا فِسْقًا لَا يَجُوز لَهُ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ إلَّا بَعْد الِاسْتِزْكَاءِ وَالتَّعْدِيل بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ: الشَّهَادَةُ بِالْمَالِ وَغَيْره؛ لِأَنَّ تَزْكِيَةَ الشُّهُودِ إلَى الْحَاكِمِ دُون غَيْرِهِ نَعَمْ إطْلَاقهمْ يَشْمَلُ الْقُرَى وَالْبَوَادِي الَّتِي لَيْسَ فِيهَا قَاضٍ, وَإِطْلَاقُ الْأَئِمَّةِ إذَا شَمَلَ بَعْضَ الْأَحْكَامِ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ, وَخَالَفَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فَصَرَّحَ بِخِلَافِ مَا شَمَلَهُ إطْلَاقُهُمْ فَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ مَا شَمَلَهُ إطْلَاقُهُمْ كَمَا فِي مَوَاضِعِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالْمُهِمَّاتِ وَأَفْتَى بِذَلِكَ ج / 2 ص -6- الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ وَالْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَا أَثَرَ لِلشَّهَادَةِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ عِنْد غَيْرِ الْحَاكِمِ الْمَنْصُوبِ لِذَلِكَ وَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا حُكْمٌ صَحِيحٌ وَذَلِكَ مَا يَقْتَضِيه نُصُوصُ الْمَذْهَبِ وَمَفَاهِيمه, فَإِنْ كَانَ فِي هَذِهِ الشَّاغِرَةِ عَنْ الْحُكَّامِ مَنْ يُسْمَعُ كَلَامُهُ وَيُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَنُصِّبَ فِي الْبَلَدِ عَارِفًا بِالْأَحْكَامِ فَقِيهًا نَفَذَ حُكْمُهُ, وَسَمَاعُهُ أَدَاءَ الشَّهَادَاتِ بِمَا يَقْتَضِيه الشَّرْعُ الشَّرِيفُ كَمَا ذَكَره فِي الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ وَالْأَنْوَارِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَنْ هُوَ كَذَلِكَ يَتَعَيَّن عِنْد أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ تَوْلِيَةُ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى مَنْ وَلَّوْهُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمُ بِمَا يَقْتَضِيه الشَّرْعُ الشَّرِيفُ فِي ذَلِكَ وَغَيْره ا هـ ثُمَّ وَرَدَ هَذَا الْجَوَابُ عَلَى بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَكَتَبَ تَحْتَهُ هَذَا الْجَوَابَ صَحِيحٌ ا هـ. وَقَدْ ذَكَر الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي أَنَّهُ إذَا خَلَا الْبَلَدُ عَنْ قَاضٍ وَخَلَا الْعَصْرُ عَنْ إمَامٍ فَقَلَّدَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ أَوْ بَعْضُهُمْ بِرِضَا الْبَاقِينَ وَاحِدًا وَأَمْكَنَهُمْ نُصْرَتَهُ عَلَى تَنْفِيذِ أَحْكَامِهِ وَتَقْوِيَةِ يَدِهِ جَازَ تَقْلِيدُهُ وَلَوْ انْتَفَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهُ حَتَّى لَوْ قَلَّدَ بَعْضُهُمْ وَأَنْكَرَ الْبَعْضُ لَمْ يَصِحَّ ا هـ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ النَّهَارِيُّ الْيَمَنِيُّ فِي كِفَايَتِهِ عَنْ الرُّويَانِيِّ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ عَلَيْهِ وَقَدْ سئل: الْأَصْبَحِيُّ عَمَّا إذَا عُدِمَ فِي قُطْرٍ ذُو شَوْكَةٍ وَحَاكِمٍ, فَهَلْ لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَلّ وَالْعَقْدِ نَصْبُ فَقِيهٍ يَتَعَاطَى الْأَحْكَامَ؟ فَأَجَابَ نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ رَئِيسٌ يَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَيْهِ, اجْتَمَعَ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَلّ وَالْعَقْد وَنَصَّبُوا قَاضِيًا صِفَتَهُ صِفَةَ الْقُضَاةِ, وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّلَاثَةِ صِفَةُ الْكَمَالِ كَمَا فِي نَصْبِ الْإِمَامِ ا هـ. وَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ إذَا لَمْ تَكُنْ عِنْد مَنْصُوبٍ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ كَمَا سَبَقَ بَلْ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْجَمَالُ الْيَمَنِيُّ: إذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ وَلَمْ يَثْبُت عِنْد قَاضٍ فَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ, وَأَمَّا الَّذِينَ يَصُومُونَ بِالِاسْتِفَاضَةِ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْهِلَالَ لَا يَثْبُت بِالِاسْتِفَاضَةِ بَلْ هُوَ يَوْمُ شَكٍّ فَفِي الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي الْأَلْسُنِ أَنَّهُ رُئِيَ الْهِلَالُ وَلَمْ يَقُلْ عَدْلٌ أَنَا رَأَيْتُهُ أَوْ قَالَهُ وَلَمْ يَقْبَل الْوَاحِدُ أَوْ قَالَهُ عَدَدٌ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ الْعَبِيدِ أَوْ الْفُسَّاقِ فَظُنَّ صِدْقُهُمْ فَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ ا هـ وَعِبَارَةُ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ إذَا شَهِدَ عَدَدٌ مِنْ الْفُسَّاقِ أَوْ ظُنَّ صِدْقُهُمْ فَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ,, وَقَوْلُهُ اثْنَانِ فَأَكْثَر يَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ الْكَثِيرَ أَيْ وَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ قُلْت صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ رَمَضَانَ حَرَامٌ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَالْأَحَادِيثُ دَلِيلٌ لِذَلِكَ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَعَدَمَ صِحَّتِهِ عَنْ رَمَضَانَ وَنَقَلَ عَنْ الْقَاضِي ابْنِ كَجٍّ أَنَّ ذَلِكَ مُرَادُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ احْتِيَاطًا لِرَمَضَانَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحَيْ الْمِنْهَاجِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ ا هـ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَسَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَدْ أَمَرَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ رَجُلًا صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ أَنْ يُفْطِرَ بَعْد الظُّهْرِ وَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سئل: بَعْضُهُمْ عَنْ الْيَوْمِ الَّذِي يَقُولُ ج / 2 ص -7- النَّاسُ إنَّهُ مِنْ رَمَضَان فَقَالَ لَا تَصُمْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: إنِّي لَأَعْجَبُ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَصُومُونَ قَبْلَ رَمَضَان إنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ" فَعَلَى هَذَا لَمَّا ثَبَتَ تَحْرِيمُ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ رَمَضَان بِنَصِّ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَامِ الْمَذْهَبِ تَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِهِ وَطَرْحُ مَا عَدَاهُ وَقَدْ سئل: بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَمَّا إذَا رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ رَجُلٌ أَوْ رِجَالٌ كَثِيرُونَ فِي طَرَفِ بَلْدَةٍ وَلَمْ يَرَهُ بَاقِي الْبِلَادِ دُون مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَصَاحَ عَلَيْهِ مَنْ رَآهُ مِنْهُمْ وَأَهْلُ قَرْيَتِهِمْ ثُمَّ صَاحَ قَرْيَة لِقَرْيَةٍ حَتَّى صَاحَتْ قُرًى كَثِيرَةٌ بَعْضُهَا لِبَعْضِ وَهَذَا الصِّيَاحُ سَالِفٌ لِأَهْلِ هَذِهِ الْبَلْدَةِ وَيَصُومُونَ فِي عُرْفِهِمْ وَعَادَتِهِمْ فَهَلْ يَصِحّ صِيَامُ مَنْ لَمْ يَرَهُ بِسَمَاعِ صِيَاحِهِمْ أَمْ لَا يَصِحّ؟ فَأَجَابَ نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ قَالَ: صِيَاحُ هَذَا لَا يُفِيدُ وَلَوْ كَانَ سَالَفَهُمْ الصِّيَاحُ لِلصِّيَامِ فَلَا يَصِحُّ صِيَامُ مَنْ لَمْ يَرَهُ بِسَمَاعِ صِيَاحِهِمْ.وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا الَّذِينَ لَا يَصُومُونَ حَتَّى يَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ يَسْتَكْمِلُوا شَعْبَانَ فَهُمْ عَلَى الصَّوَابِ لِمَا سَبَقَ وَلِقَوْلِ الشَّيْخِ الصَّيْرَفِيِّ بِالدِّيَارِ الْمَصْرِيَّةِ إذَا لَمْ يَشْهَدْ الرَّاءُونَ بِالرُّؤْيَةِ عِنْدَ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَلَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَلْزَمْ مَنْ لَمْ يَرَهُ الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ رَآهُ وَلَوْ كَثُرُوا وَلَهُ الْفِطْرُ إلَى اسْتِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ وَكَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى آخِرِ يَوْمِ مِنْهُ وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّال لَهُ اسْتِكْمَالُ رَمَضَانَ الثَّلَاثِينَ إنْ لَمْ يَرَهُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ وَقَدْ أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ النَّقْلَ عَنْ الْإِمَامِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ بِهِ مَنْ يُوَثَّقُ أَيْ وَلَمْ يَثْبُت عِنْد حَاكِمٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَم الْمُخْبَرَ بِفَتْحِ الْبَاء الْعَمَلُ بِقَوْلِ الْمُخْبِر بِكَسْرِهَا إلَّا إذَا بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ, أَمَّا إذَا بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُخْبَرَ الْعَمَلُ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ. ثُمَّ نَقَلَ الْإِمَامُ ابْنُ عَبْدَانِ وَمَنْ وَافَقَهُ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُرَجَّحْ شَيْءٌ مِنْهُمَا لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِهِ فِي النَّقْلِ عَنْ الْإِمَامِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَتَفْرِيعُهُ عَلَى ذَلِكَ وَبِنَاؤُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ كَمَا ذَكَر تَقْتَضِي تَرْجِيحَ مَا قَالَاهُ أَيْ فِي أَنَّ طَرِيقَهُ الشَّهَادَةُ دُونَ الْإِخْبَار لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ "فَإِنْ شَهِدَ ذُو عَدْلٍ فَصُومُوا وَافْطِرُوا" فَثَبَتَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَتَعَلَّقَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ قَالَ وَيَلْزَم مِنْ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ عَدَمُ لُزُومِ الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ حَيْثُ لَمْ يَثْبُت عِنْد حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَره الْأَذْرَعِيُّ فِي التَّوَسُّطِ حَيْثُ قَالَ وَلَا أَحْسَبُ أَحَدًا يُنَازِعُ فِي أَنَّ الْحَاكِمَ لَوْ أَخْبَرَ رَعِيَّتَهُ أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ أَوْ الْإِمَامَ الْعَادِلَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُمْ الصَّوْمَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِهِ عِنْد قَاضٍ آخَر بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ انْتَهَى جَوَابُ الْإِمَامِ الصَّيْرَفِيِّ. وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ قَوْلَ الرَّائِينَ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْغَيْرِ إلَّا إذَا أَدَّى عِنْد قَاضٍ أَوْ مُحَكَّمٍ مِنْ جِهَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ كُلِّهِمْ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ شِهَابُ الدِّينِ ابْنُ الْعِمَادِ فِي تَوْقِيفِ الْحُكَّامِ لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَان لَمْ يَلْزَم الصَّوْم عَلَى الصَّوْم تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصّ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ ا هـ، فَحِينَئِذٍ الْحَاصِلُ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ ج / 2 ص -8- الشُّهُودَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ عِنْد رُؤْيَةِ الْقَاضِي أَوْ الْمَنْصُوبِ أَوْ الْمُحَكَّمِ مِنْ جِهَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ لَا تُقْبَلُ كَشَهَادَةِ بَجِيلَةَ بَعْضُهُمْ عِنْدَ بَعْضٍ, وَإِذَا لَمْ تُقْبَل حُرِّمَ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَان بِشَهَادَتِهِمْ لِمَنْ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ بِنَفْسِهِ, وَأَمَّا مَنْ رَآهُ فَنَقَلَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ سُلَيْمٍ الرَّازِيِّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُت لَمْ يُجْزِئْهُ صَوْمُهُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُهُ وَيُجْزِئْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم, وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ إذَا رَأَى الْهِلَالَ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَلَمْ يَرَ بِأَرْضِ بَجِيلَةَ فَمَا يَكُون الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ - فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَطَالِعَ قَدْ تَخْتَلِفُ فَيَلْزَم مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي الشَّرْقِيِّ رُؤْيَتُهُ فِي الْغَرْبِيِّ وَلَا يَنْعَكِسُ, وَذَلِكَ أَنَّ اللَّيْلَ يَدْخُلُ فِي الْبِلَادِ الشَّرْقِيَّةِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْبِلَادِ الْغَرْبِيَّةِ وَعَلَى ذَلِكَ حَدِيث كُرَيْبٍ فَإِنَّ الشَّامَ غَرْبِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَدِينَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَتِهِ بِالشَّامِ رُؤْيَتُهُ بِالْمَدِينَةِ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ فَعَلَى هَذَا قَالَ الْقَاضِي بُرْهَانُ الدِّينِ إبْرَاهِيمُ بْنُ ظَهِيرَةَ قَاضِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ بَجِيلَةُ شَرْقِيُّ مَكَّةَ فَيَلْزَمُ مِنْ الرُّؤْيَةِ بِبَجِيلَةَ الرُّؤْيَةُ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَلَا عَكْسَ ا هـ، قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ فَسَارَ شَخْصٌ مِنْ مَوْضِعٍ رُئِيَ فِيهِ إلَى حَيْثُ لَمْ يُرَ وَاسْتَكْمَلَ ثَلَاثِينَ وَلَمْ يُرَ فِي الْبَلَدِ الثَّانِي فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ مَعَهُ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَ كُرَيْبًا بِذَلِكَ حِين قَالَ اسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَقُلْت لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ قَالَ أَنْتَ رَأَيْت الْهِلَالَ قُلْت نَعَمْ, وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى يُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْت أَلَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَالنَّاسِ؟ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيَاسًا عَلَى أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ لِكُلِّ بَلْدَةٍ حُكْمَهَا مِنْ الطَّوَالِعِ وَالْغَوَارِبِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ أَيْضًا. قَالَ الشَّيْخُ الْمُقْرِي فِي التَّمْشِيَةِ: فَإِنَّ الشَّمْسَ قَدْ تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ فَيَفُوتهُمْ الصُّبْحُ وَغَيْرُهُمْ حِينَئِذٍ فِي لَيْلٍ يُمْكِنُهُمْ أَدَاءُ الْعِشَاءِ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ وَقْتُ الصَّوْمَ بِمَطَالِعِ الْفَجْرِ انْتَهَى كَلَامُ التَّمْشِيَةِ قَالَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ وَحَدِيثُ كُرَيْبٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَذَكَره الْقَفَّالُ وَمَنْ تَبِعَهُ وَاعْتَمَدُوهُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْد أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ حَسَنٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَهُوَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ كَبِيرٍ لَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ, وَقَوْلُ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ ا هـ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: وَلَا شَكَّ أَنَّ مَوْرِدَ النَّصِّ وَهُوَ حَدِيثُ كُرَيْبٍ السَّابِق فِي الشَّامِ وَالْحِجَازِ وَقَدْ وُجِدَ فِيهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَاخْتِلَافُ الْإِقْلِيمِ وَاخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ وَاحْتِمَالُ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ, فَاسْتَنَدَ كُلُّ طَائِفَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَأَيَّدَ بِهِ ا هـ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ نَجْمِ الدِّينِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ قَالَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدنَا وَصَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ انْتَهَى جَوَابُ هَذَا الْمُفْتِي. فَهَلْ يَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ جَوَابُكُمْ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَتَّعَ الْمُسْلِمِينَ بِحَيَاتِهِ وَنَفَعَهُمْ بِمَعْلُومَاتِهِ بِقَوْلِهِ أَمَّا مَا ذَكَره الْمُفْتِي الْمَذْكُورُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ ج / 2 ص -9- فَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُمْ لِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ إلَخْ لَا مُطَابِقَةَ فِيهِ بَيْن الْعِلَّةِ وَالْمُعَلَّلِ، لِأَنَّ قَوْلَ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِعُمُومِ النَّاسِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَخْبَرَهُ مَنْ يَثِق بِهِ بِأَنَّهُ رَآهُ هَلْ يَلْزَمهُ الصَّوْمَ أَوْ لَا وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُمْ هَذَا فِي ثُبُوتِ رَمَضَانَ بِالنِّسْبَةِ لِعُمُومِ النَّاسِ. ثَانِيهَا أَنَّ قَوْلَهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَتُعْتَبَر الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ إلَخْ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ, وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ جَمْعٌ مِنْ أَنَّ الْمَسْتُورَ هُنَا يُقْبَلُ إذَا شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ وَهِيَ الَّتِي يُرْجَعُ فِيهَا إلَى قَوْلِ الْمُزَكِّينَ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مَحْضُ شَهَادَةٍ بَلْ فِيهِ شَائِبَةٌ بَلْ شَوَائِبُ مِنْ الرِّوَايَةِ مِنْهَا ثُبُوتُهُ بِوَاحِدِ وَعَدَمُ احْتِيَاجه إلَى دَعْوَى وَعَدَمُ تَصَوُّر الْحُكْمِ بِهِ,؛ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا يُثْبِتُ الْقَاضِي الشَّهْرَ فَقَطْ وَالثُّبُوتُ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَقَبُولُ قَوْلِ الشَّاهِدِ: أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ عَلَى الْمُعْتَمَد عِنْد الرَّافِعِيِّ وَغَيْره. وَثَالِثُهَا أَنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ إطْلَاقهمْ إلَخْ لَيْسَ فِي مَحِلّه لِأَنَّ ذَاكَ ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْقَضَاء وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ رَمَضَان لِمَا ذَكَرُوهُ فِيهِ فِي بَابِهِ مِمَّا ذُكِرَ. رَابِعهَا أَنَّ قَوْلَهُ: وَلِهَذَا قَالَ بَعْض الْمُفْتِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ, أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ مَا قَبْلَهُ حَتَّى يَجْعَلَهُ عِلَّةً لَهُ,, وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَحِلَّهُ حَيْثُ لَا مُحَكِّمَ أَمَّا إذَا حَكَّمُوا مَنْ يَسْمَع الشَّهَادَةَ بِرَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا ذَكَره الزَّرْكَشِيُّ حَيْثُ قَالَ مَا حَاصِلُهُ وَلَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بِكَوْنِ اللَّيْلَةِ مِنْ رَمَضَان؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ بِمُعَيَّنٍ وَهُوَ هُنَا غَيْرُ مَقْصُودٍ لِعُمُومِ الْأَمْرِ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُت الشَّهْرُ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ وَالثُّبُوتُ لَيْسَ بِحُكْمٍ نَعَمْ إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حَقُّ آدَمِي وَدَعَتْ حَاجَةٌ إلَى الْحُكْمِ بِهِ حَكَمَ بِهِ بِشُرُوطِهِ, مُسْتَنِدًا إلَى ذَلِكَ الثُّبُوتِ وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ رَمَضَان يَثْبُتُ بِالتَّحْكِيمِ سِيَّمَا بِمَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ حَتَّى إذَا جَاءَ إلَى رَجُلٍ وَحَكَّمَاهُ بِشَرْطِهِ لَزِمَهُمَا وَلَزِمَ النَّاسُ صَوْمَهُ, وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ وَاحِدًا ا هـ. نَعَمْ مَا ذَكَره أَعْنِي الزَّرْكَشِيّ مِنْ إلْزَامِ النَّاسِ بِالصَّوْمِ إذَا حَكَمَ بِهِ الْمُحَكَّم مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَحْكِيمِهِ إلَّا اثْنَانِ. فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَلْزَمُ إلَّا مَنْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ وَمَا ذَكَره الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ إلْزَامٌ بِمُعَيَّنٍ أَرَادَ بِهِ الْغَالِبَ وَإِلَّا فَقَدْ لَا يَكُون فِيهِ إلْزَامٌ لِذَلِكَ كَمَا بَيَّنَهُ الْعَلَائِيُّ فِي قَوَاعِده عَلَى أَنَّ مَا ذَكَره مِمَّا لَا إلْزَامَ فِيهِ بِمُعَيَّنٍ يُمْكِن أَنْ يُوَجَّه بِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا بِمُعَيَّنٍ فَلَا يَكُونُ التَّقْيِيدُ بِذَلِكَ لَازِمًا كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِيهِ فِي مَحَالِّهِ مَنْ الْقَوَاعِدِ الْمَذْكُورَةِ. وَخَامِسُهَا أَنَّ قَوْلَهُ فَحِينَئِذٍ الْحَاصِلُ إلَخْ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ لَا يَشْهَد لَهُ عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَهُ بِهَذَيْنِ مَعَ أَنَّهُ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورَةِ وَغَيْرِهِمَا يُشْعِر بِانْفِرَادِهِمَا بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَإِذْ قَدْ فَرَغْنَا مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا فِي عِبَارَته مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَلْنَذْكُرْ الْمُعْتَمَد فِيهِ وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ وَمَا ذَكَره عَنْ الصَّيْرَفِيِّ ضَعِيفٌ, وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ غَيْره كَابْنِ الْعِمَادِ وَغَيْرِهِ, وَقَوْلُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَم إلَّا إذَا فَرَغْنَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ, وَهُوَ ضَعِيفٌ يُرَدُّ بِمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَحْضُ شَهَادَةٍ بَلْ فِيهِ شَوَائِبُ مِنْ الرِّوَايَةِ احْتِيَاطًا ج / 2 ص -10- لِلصَّوْمِ فَيَكُونُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ شَوَائِبِ الرِّوَايَةِ كَذَلِكَ فَلَزِمَ الْمُخْبَر بِفَتْحِ الْبَاء إذَا اعْتَقَدَ صِدْقَ الْمُخْبِر الصَّوْمُ احْتِيَاطًا لَهُ بَلْ اللُّزُوم حِينَئِذٍ أَوْلَى مِنْهُ إذَا ثَبَتَ بِوَاحِدٍ عِنْد الْقَاضِي وَوَقَعَتْ الرِّيبَةُ وَالشَّكُّ فِي صِدْقِهِ فِي َهَادَته فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَجِب الصَّوْمُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إذَا شَهِدَ بِهِ عِنْد الْقَاضِي وَلَوْ عَلَى مَنْ بَقِيَ عِنْده بَعْد الْحُكْمِ رِيبَةٌ فِي تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِلِاحْتِيَاطِ لِلصَّوْمِ فَاللُّزُوم فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ لِلِاحْتِيَاطِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُعْتَقِدٌ الصِّدْقَ وَلَا رِيبَةَ عِنْده فِي وُجُود الْهِلَالِ فَهُوَ كَمَنْ رَأَى الْهِلَالَ, وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ الَّذِي عِنْد الرَّائِي أَقْوَى. وَقَوْلُ الصَّيْرَفِيِّ وَلَوْ كَثُرُوا لَيْسَ فِي مَحِلِّهِ كَمَا يَأْتِي مِنْ اللُّزُومِ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِر, وَقَوْلُهُ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ وَلَا أَحْسَبُ أَحَدًا يُنَازِع فِي أَنَّ الْحَاكِمَ إلَخْ لَا يُشْهَدُ لَهُ, أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الدَّارِمِيِّ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ, وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مُرَادَ الْأَذْرَعِيِّ اللُّزُومُ عَلَى الْعُمُومِ وَكَلَامُنَا هُنَا فِي خُصُوصِ مَنْ صَدَّقَ الْمُخْبِرَ, وَإِذَا جَوَّزُوا لِلْمُنَجِّمِ وَالْعَارِفِ بِمَنَازِلِ الْقَمَرِ أَنْ يَعْمَلَ بِحِسَابِ نَفْسِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُفِيدهُ إلَّا مُجَرَّدُ الظَّنِّ فَلَأَنْ يَجُوزَ بَلْ يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِإِخْبَارِ الثِّقَةِ الْمُعْتَمَدِ لِلِاعْتِقَادِ أَوْ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِالْأُولَى بَلْ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ مَنْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ وَصَدَّقَهُ أَنَّ لَهُ الصَّوْمَ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ الَّذِي اسْتَفَادَهُ مِنْ تَصْدِيقِ مُخْبِرِهِ يُسَاوِي الظَّنَّ الَّذِي يَسْتَفِيدهُ الْحَاسِبُ مِنْ حِسَابِهِ. وَإِذَا قُلْنَا إنَّ لِهَذَا وَمَنْ أَلْحَقْنَا بِهِ الصَّوْمَ فَهَلْ يُجْزِئْهُ قَالَر فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمَجْمُوعِ فِي مَوْضِعٍ نَعَمْ وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَرَدُّوا مَا وَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي مَوْضِعٍ آخَر مِنْ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يُجْزِئْهُ إذَا بَانَ أَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي صَامَهُ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِيهِ لَيْسَ نَصَّا فِي تَصْحِيحِ ذَلِكَ كَمَا بَيَّنْته فِي حَاشِيَةِ الْعُبَابِ, وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْإِجْزَاء فِي نَحْوِ الْحَاسِبِ فَالْإِجْزَاءُ فِي الرَّائِي الَّذِي رُدَّتْ شَهَادَتُهُ بِالْأَوْلَى عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذَا لَا وَجْهَ لَهُ فَإِنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى تَعَيُّن الرُّؤْيَةِ وَيَلْزَمُ الْعَمَلُ بِرُؤْيَتِهِ نَفْسِهِ, وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَكَيْف يُسَوَّغُ حِينَئِذٍ أَنْ يُحْكَى فِي الْإِجْزَاء فِي حَقِّهِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ وَجْهَ الْخِلَافِ فِي نَحْوِ الْحَاسِبِ عَدَمُ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي الرَّائِي فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالْإِجْزَاءِ فِي حَقِّهِ وَأَنَّ مَا وَقَعَ فِي قَوْلِ الْمُجِيبِ. وَأَمَّا مَنْ رَآهُ فَنَقَلُ الْإِمَامِ الْأَذْرَعِيِّ إلَخْ فَهُوَ بِالتَّحْرِيفِ وَالْغَلَطِ أَشْبَهُ, وَأَمَّا مَا ذَكَره الْمُفْتِي الْمَذْكُورَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ تَارَةً تَقْوَى حَتَّى تَصِلَ إلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ وَتَارَةً لَا فَإِنْ وَصَلَتْ لِلتَّوَاتُرِ وَجَبَ الصَّوْمُ عَلَى مَنْ تَوَاتَرَ عِنْده الْخَبَرُ بِالرُّؤْيَةِ, بِأَنْ أَخْبَرَهُ بِهَا عَنْ الْمُعَايَنَةِ جَمْعٌ كَثِيرُونَ, لَا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ, وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً أَوْ نَحْوَهُمْ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمُتَوَاتِرَ يُفِيدُ الْعِلْمَ وَلَوْ مِنْ نَحْوِ فُسَّاقٍ, وَإِنْ لَمْ تَصِل لِلتَّوَاتُرِ فَفِيهَا كَلَامٌ ظَاهِرُهُ التَّنَافِي وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرَهُمَا قَالُوا أَوَّلَ بَابِ الصَّوْمِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ مَوْثُوقٌ بِهِ بِرُؤْيَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرهُ عِنْد الْقَاضِي فَقَطَعَتْ طَائِفَةٌ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ مُطْلَقًا وَطَائِفَةٌ بِوُجُوبِهِ إنْ قُلْنَا هُوَ رِوَايَةٌ. وَقَالُوا فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ لَا بُدَّ مِنْ الْجَزْمِ بِهَا فَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ شَعْبَان صَوْمَ غَدٍ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَكَانَ مِنْهُ لَمْ يَقَع عَنْهُ, وَإِنْ جَزَمَ بِالنِّيَّةِ إلَّا إنْ اعْتَقَدَ كَوْنَهُ مِنْهُ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ صِبْيَان رُشَدَاءَ | |
|