قصة لن تنساها لما بقي من عمرك
---------------------
جلس الطالب وهو يشعر بالخوف وتعلو وجهه الدهشة . لقد كان أول درس له في يومه الأول في الجامعة . لقد تم تحذيره من قبل - مثله في ذلك مثل بقية الطلبة في الفصل - من أن الأستاذ " كلارك" لم يكن فقط أذكى خريج في قسم اللغة الإنجليزية شهدته الجامعة، لكنه أيضاً كان ينظر إلى طلابه بازدراء نتيجة عبقريته الشديدة ، وكان يستخدم قدرته العقلية لإرباكهم وإحراجهم . ولقد حضر الأستاذ متأخراً عن عمد - لكي يزيد من التوتر الذي يشعر به الطلاب !
خطى الأستاذ كلارك خطوات واسعة داخل الحجرة غير مبال ، وتفحص الفصل بعينين ملتهبتين وابتسامه تنم عن السخرية.
وبدلاً من أن يذهب إلى مكتبه ويرتب الأوراق استعداداً للمحاضرة، توقف أمام مكتبه وهو يشبك يده بإحكام خلف ظهره ، وبنفس النظرة الساخرة المتعمدة قال : " السنة الأولى ، قسم اللغة الإنجليزية ؟ سوف أنادي على الحاضرين " وبدأ ينادي بصوت عالي يشبه صوت البندقية الآليه على أسماء الطلاب الذين كانوا يجلسون في أماكنهم كالتماثيل فزعاً .
إبراهامسون ؟ حاضر يا سيدي
آدامز ؟ حاضر يا سيدي
بارلو ؟ حاضر يا سيدي
بوش ؟ حاضر يا سيدي
بوزان ؟ حاضر يا سيدي
وعندما وصل إلى الإسم التالي نادى بصوت عال " كارتلاند " ، ثم ساد صمت رهيب ، وكأحد المحققين العظام أخذ ينظر نظرة محرقة وأكثر تعمداً إلى كافة الطلاب الذين تجمدوا في مقاعدهم ، كما لو كان متوقعاً منهم الإعتراف " بالإسم الذي ذكره لهم لتوه " . وعندما لم يتلق منهم رداً تنهد بعمق وقال بضعف السرعة العادية للحديث :
" كارتلاند ؟ جيرمي كارتلاند ، عنوانه 2761 الطريق الثالث غرب ، رقم الهاتف 79473214 ، تاريخ الميلاد الخامس من سبتمبر 1941 ، اسم الأم جين واسم الأب جورديون ... كارتلاند ؟
ولكن لا مجيب ! وأصبح الصمت لا يطاق إلى أن حانت اللحظة المناسبة تماماً ليقطع الأستاذ هذا الصمت بصوت عال وقاطع فقال : " غائب " .
وهكذا استمر الأستاذ " كلارك " ينادي على الحضور دون تردد وعندما يجد طالباً غائباً كان يفعل مثلما فعل مع كارتلاند . حيث يقوم بتقديم البيانات الأساسية عن الطالب الغائب على الرغم من أنه لا يمكن أن يكون لديه بأي حال من الأحوال فكرة في هذا اليوم الأول من الدراسة عمن سيكون حاضراً، أو من سيكون غائباً ، وعلى الرغم من أنه لم ير أياً من هؤلاء الطلاب من قبل على الإطلاق وأصبح واضحاً تماماً لكافة الطلاب أنه يعرف نفس المعلومات الأساسية الشخصية عن كل واحد منهم بنفس التفصيل المدهش.
وعندما أنتهى من النداء على الحاضرين . نظر إلى الطلاب بازدراء وقال وعلى وجهه ابتسامة هزلية : هذا يعني أن " كارتلاد وتشابمان وهاكستون وهوجس ولوكسمر وميرز وتوفي جميعهم غائبون ! وتوقف ثانية ثم قال : سوف أقوم بعمل مذكرة بذلك .. في وقت لاحق !
وبعد أن قال ذلك ، استدار وغادر الغرفة في سكون مذهل .
لقد كانت هذه اللحظة بالنسبة للطالب المفتون واحدة من اللحظات التي أصبح فيها " حلم الحياة المستحيل " ممكناً : الحلم الخاص بتدريب ذاكرته إلى الدرجة التي يمكن أن تعمل بإتقان في عدد كبير من المواقف الخاصة. أن يكون قادراً على تذكر الأسماء وتواريخ الميلاد والوفاة وكافة الحقائق الهامة الخاصة بكبار الفنانين والكتاب وغيرهم من العظماء وأن يكون قادراً على تذكر اللغات وأن يكون قادراً على تذكر قوائم البيانات المصورة الضخمة في الأحياء والكيمياء وأن يكون قادراً على تذكر أي قائمة يريدها أن يكون قادراً على التذكر تماماً مثل الأستاذ كلارك . قفز الطالب من مقعده واندفع خارجاً من حجرة الدرس ولحق بالاستاذ كلارك في الممر وسأله دون تفكير : " كيف فعلت ذلك يا سيدي ؟ "
وبنفس اللهجة المتسلطة أجاب الأستاذ بقوله : لأنني عبقري يا بني ! ثم انصرف للمرة الثانية دون أن يسمع للطالب وهو يتمتم قائلاً : نعم يا سيدي أعرف أنك عبقري ولكن لا يزال السؤال قائماً : كيف فعلت ذلك ؟
وعلى مدار شهرين متتاليين ، استمر الطالب في إزعاج ومضايقة العبقري الذي صادقه في النهاية ونقل له خفية المعادلة السحرية لبناء النظام الخاص بالذاكرة الذي استطاع من خلاله أن يذهل الطلاب ويربكهم في هذا اليوم الأول من الدراسة الذي لا ينسى .
وعلى مدار عشرين عاماً كن الطالب يلتهم كل ما يجده من كتب عن الذاكرة والإبداع وطبيعة المخ البشري وكان لديه رؤية لخلق أنظمة جديدة وخارقة للذاكرة والتي تجاوزت حتى ما استطاع أستاذه أن ينجزه .
وكان أول هذه الأنظمة هي الخريطة العقلية للذاكرة
لقد كان هذا الطالب المفتون هو توني بوزان
مؤلف كتاب تحكم بذاكرتك
الثلاثاء 10 أبريل 2018, 1:15 am من طرف 
